الثلاثاء، 25 سبتمبر 2012

شاهد القرية الفرعونية" نزهة حضارة عمرها 7 آلاف عام بالصور






إطلالة متنوعة على الحضارة الفرعونية في مصر، صاحبة التاريخ العريق والذي يمتد لنحو سبعة آلاف عام، تقدمها القرية الفرعونية بموقعها المتميز على نيل القاهرة، والذي يشكل جسر التواصل مع هذه الحضارة الخالدة.
تستقبلك القرية برائحة خاصة، تشعر بأنها منبعثة للتو من المعابد الأثرية التي شيدها الفراعنة تمجيدا للحياة وللإنسان صانع الحضارة وشعلة الحب والعطاء.
وتقدم القرية التي يتوافد عليها يوميا المئات من المصريين والعرب والأجانب صورة مصغرة لمئات الآلاف من المقتنيات الأثرية، ما بين مسلات ومعابد وتماثيل وأهرامات، كما تطلع زوارها على الكثير من أسرار العلوم والفنون التي برع فيها الفراعنة ولا تزال تبهر العالم، وذلك بواسطة مختصين يكشفون أسرار هذه العلوم بأسلوب علمي شائق وبسيط.
تفتح القرية شهية السياح القادمين إلى مصر، للتعرف على حضارتها وللاستمتاع بآثارها الفرعونية في مواقعها الأصلية، المنتشرة في كل أرجاء البلاد، بعد أن جمعتها «القرية الفرعونية» بنموذج محاكاة باهر، في جزيرة ساحرة على ضفاف النيل في قلب محافظة الجيزة الملاصقة للعاصمة القاهرة.
في هذه القرية الصغيرة، التي تستلزم الجولة فيها من 3 إلى 5 ساعات على الأقل، تتعرف على أسطورة إيزيس وأوزوريس، وقصة النبي موسى - عليه السلام - مع فرعون ورحلة خروجه من مصر إلى بلاد الشام.
معبد أبو سمبل أشهر معابد ملوك الفراعنة، والذي يقبع في أسوان جنوب مصر، تراه ماثلا بين عينيك داخل دروب القرية.. مع عرض باهر لحياة المصري القديم البسيطة بين الزراعة وصيد الأسماك وتحنيط الموتى والكتابة على ورق البردي وصناعة الخبز الشمسي.
لذلك تعتبر القرية الفرعونية بمثابة تجربة حياتية فريدة من نوعها حيث الإبحار في القنوات المائية التي تحيط بالقرية، لتجد نفسك في قلب التاريخ المصري القديم أينما تدير وجهك، وتطالعك أصوات وعلامات ورموز الحياة المصرية في كل اتجاه، فتشعر بأنك تعبر الزمن في رحلة ممتعة.
جاءت فكرة القرية الفرعونية، التي أنشأها منذ قرابة الثلاثين عاما المعماري المصري حسن رجب، بعد زيارته لقرية «ويليامزبيرغ» في فيرجينيا بالولايات المتحدة، والتي تحكي حياة المستوطنين الأوائل في الولايات المتحدة الأميركية.. فبعد انبهار رجب بالفكرة قرر أن يقوم بعمل مثيلتها في مصر لتحكي تاريخ الحضارة المصرية الرائدة بين جميع حضارات العالم.
ووقع اختيار رجب على جزيرة تسمى «يعقوب» بمحافظة الجيزة، كمكان للقرية الفرعونية، حتى بدأ العمل فيها عام 1977، وجرى حفر القنوات والممرات المائية في الجزيرة وغرس 5000 شجرة من الأشجار التي كانت تتميز بها مصر الفرعونية حتى يقترب من صورة الحياة في مصر الفرعونية منذ آلاف السنين.
وتم افتتاح القرية الفرعونية رسميا عام 1984، لتساهم في خلق تجربة علمية وترفيهية فريدة تعرض بها المتاحف الفرعونية المعدة بنفس التقنية التي استخدمها الأفراد الذين صنعوا المحتويات الأصلية مع الأخذ في الاعتبار كل التفاصيل مما يعكس المعرفة التامة بالأساليب المستخدمة من قبل القدماء المصريين.
تبدأ رحلتك في القرية الفرعونية من خلال العبور في «مركب الزمان» الذي يسير بك في القناة الأسطورية في النيل، فتستمتع من خلال 100 ممثل وممثلة يرتدون الملابس الفرعونية الشهيرة، بتفاصيل الحياة المصرية القديمة، من خلال أدائهم لمهام عملهم اليومي دون أن يلقوا إليك بالا.. هذا فلاح يحرث الأرض بمحراثه، وآخر يصنع ورق البردي، وثالث يصنع الفخار، وآخرون يرفعون أحجارا عملاقة لبناء أهرامات وتماثيل ومسلات.
عندما ترسو بك السفينة على الشاطئ المقابل، أول شيء تقع عيناك عليه هو نموذج مصغر من معبد «الكرنك»، الذي يعد من علامات مدينة الأقصر في مصر المميزة، حيث كان كل ملك من الملوك المتعاقبين يحاول جعل معبده الأكثر روعة، ليتميز به عن سلفه.
وبجوار «الكرنك» داخل القرية منازل المصريين القدماء، حيث ستلحظ الفرق بين منازل الفقراء والأغنياء، فمنازل الأغنياء تحتوي على العديد من الغرف، كغرفة الزوج والزوجة المنفصلتين، وغرفة الحبوب لتخزين الحبوب الغذائية، والمطبخ، وغرفة الخدم، وإسطبل الحيوانات، في حين أن منازل الفقراء والفلاحين تتكون من غرفة واحدة يعيش فيها كل أفراد الأسرة.
بالتجول في القرية، تجد «مقبرة الملك توت عنخ أمون»، والتي تعتبر صورة طبق الأصل من المقبرة الأصلية في وادي الملوك بمدينة الأقصر. ويعد توت عنخ أمون أحد فراعنة الأسرة المصرية الثامنة عشرة في تاريخ مصر القديم، ويعتبر من أشهر الفراعنة لأسباب لا تتعلق بإنجازات حققها أو حروب انتصر فيها كما هو الحال مع الكثير من الفراعنة، وإنما لأسباب أخرى تعتبر مهمة من الناحية التاريخية ومن أبرزها اكتشاف مقبرته وكنوزه بالكامل دون أي تلف، واللغز الذي أحاط بظروف وفاته في ظل وجود آثار لكسور في عظم الفخذ والجمجمة، وغيرها من الأسرار.
وعلى بعد خطوات من مقبرة توت عنخ أمون توجد المتاحف العشرة الموجودة بالقرية الفرعونية، والتي تعبر أربعة منها عن حقبة التاريخ المصري القديم في مجالات متعددة.. فهناك متحف «الطب والتحنيط» الذي استولى على الجزء الأكبر من الفكر الحديث لمعرفة أسراره، حيث كان التحنيط فنا غامضا، وبالتالي يمكنك أن تتعرف من خلال هذا المتحف على الخطوات التي كانت متبعة في عملية التحنيط من خلال تماثيل لبعض المومياوات.
ويعرض المتحف أهمية التحنيط عند الفراعنة، وإيمان المصريين القدماء بالحياة الأخرى ورجوع الروح مرة أخرى إلى الجسد، كما يرصد إنجازات المصريين القدماء في مجال الطب، ومنها بردية «إدوين سميس»، وهي الوثيقة الطبية الأولى التي عرفها العالم والتي تم كتابتها عام 1600 ق.م، وتتحدث عن بعض الملاحظات التشريحية والتشخيصات، بالإضافة إلى علاج العديد من الأمراض بجانب وصفات تجميلية للتخلص من تجاعيد البشرة ومساحيق للوجه.
وثمة أيضا «متحف بناة الأهرامات» الذي يحتوي على 4 نماذج خشبية تشرح أسرار الفراعنة في بناء الأهرامات والمسلات وأبو الهول، وتطور فكرة بناء المقابر الملكية بداية من المصاطب مرورا بالهرم المدرج وانتهاء بالشكل الكامل للهرم، علاوة على نماذج توضح النظريات المختلفة لكيفية بناء الأهرامات، التي ما زالت تذهل العالم حتى الآن وتخفي مئات الأسرار بداخلها.
وهناك متحفان آخران يجسدان حياة الإنسان المصري القديم، هما «متحف المراكب المصرية» الذي يعرض مراكب الشمس والمراكب الخشبية التي صممها الفراعنة، و«متحف الفنون والعقائد المصرية»، وكلها تعبر عن طبيعة الحياة المصرية القديمة وما كان سائدا فيها، وبالإضافة إلى تلك المتاحف توجد أربعة متاحف أخرى يعبر كل منها عن جزء من تاريخ مصر، وهي «متحف كليوباترا» الذي يرصد تفاصيل حياة هذه الملكة منذ اعتلائها عرش مصر، وحتى مماتها، وهناك «المتحف الإسلامي» الذي يقدم صورة حقيقية عن الحضارة الإسلامية وفنونها في مصر منذ الفتح الإسلامي لها، بالإضافة إلى «المتحف القبطي»، و«متحف حملة نابليون على مصر»، إلى جانب متحفين آخرين أحدهما لرئيسي مصر الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات، ويضمان بعض المقتنيات والمراحل المهمة في حياة كل منهما، وذلك من خلال العديد من الصور والملابس والمقتنيات المفضلة لديهما، مثل البدلة العسكرية للرئيس عبد الناصر، وملابس الحج والكاميرا والمنظار الخاص به. بينما يمكنك أن تشاهد في متحف الرئيس السادات سترته الخاصة التي حضر بها حادث المنصة الشهير، وعصاه الشهيرة ومعجون وفرشاة أسنانه وعطره.
أحدث المتاحف التي أضيفت إلى القرية في الآونة الأخيرة هو «متحف التراث» والذي يعرض الحرف اليدوية القديمة للمصريين كبائع الفول والحلاق والمسحراتي، ويعرض العادات والتقاليد المصرية القديمة مثل الزار والفرح والزفة.
وكذلك أول متحف لـ«شهداء ثورة 25 يناير» المصرية، والذي يضم صورا لشهداء الثورة وملابسهم ومقتنياتهم، ونصبا تذكاريا لهم في مدخل المتحف، وقد وضع على جدران المتحف عدد كبير من الصور واللوحات الفنية التي تخلد أحداث الثورة، على مدار 18 يوما، شملت شعارات رفعها المتظاهرون، ولقطات الحزن والفرح عليهم، في ما يشبه تسجيلا تاريخيا لها، على الطريقة الفرعونية، التي كانت تسجل وقائع الأحداث على الجدران.
ويحتوي متحف الثورة المصرية على مقتنيات اعتبرها الثوار «غنائم حرب»، وهي عبارة عن بعض طلقات الرصاص الحي التي أطلقت على المتظاهرين من قبل قوات النظام السابق، وأنواع مختلفة من قنابل الغاز المسيل للدموع التي ألقتها قوات الأمن عليهم، وكلها تعرض في صناديق عرض زجاجية.
للقرية الفرعونية دور ثقافي واجتماعي كبير تمارسه ربما بشكل يومي، حيث تعقد فيها المؤتمرات وورش العمل الخاصة بأسرار اختراعات قدماء المصريين، وتقوم بزيارتها بعثات علمية لدراسة التاريخ المصري القديم.
لكن في النهاية فإن القرية الفرعونية بمصر لا تحتوي على تاريخ وحضارة فقط، بل هي مكان يبعث على الهدوء والراحة بعيدا عن صخب الحياة اليومية، فيمكنك أن تأخذ قسطا من الراحة بين المسطحات الخضراء المليئة بمختلف أنواع الزهور والطيور المهاجرة، أثناء تناولك لطعامك المفضل في مطعم يقدم أشهى الأكلات المصرية المصحوبة بجو من الفلكلور الشعبي، ثم الانطلاق في رحلة نيلية على اليخت «نفرتاري» لتستمتع فيها بجمال النيل الساحر.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق